"مكافحة التطرف العنيف واحدة من أكثر التحديات الدولية الملحة التي نواجهها"
في الحوار المفتوح بمجلس الأمن حول السلام والأمن الدوليين، تحدث السفير مارك ليال غرانت، رئيس بعثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن التطرف وسبل مكافحته: عبر التعليم وبالاستعانة بالشباب وتقوية مجلس الأمن.
أود أن أتوجه بالشكر لصاحب السمو الملكي الأمير حسين للدعوة لعقد جلسة النقاش الهامة هذه. حيث أن مكافحة التطرف العنيف واحدة من أكثر التحديات الدولية الملحة التي نواجهها. إنها تعتبر أولوية بالنسبة لرئيس وزرائنا ولوزير خارجيتنا، ونحن نثمن عاليا القيادة التي أبداها الأردن حول هذا الموضوع.
وقد واجه الشباب في أنحاء العالم خلال الاثني عشر شهرا الماضين أحداثا مروعة. حيث أن مئات الطلاب تعرضوا للقتل بوحشية في كينيا وباكستان. وتم اختطاف واستعباد عشرات الأطفال على يد بوكو حرام. كما تعرض الشباب لتأثير واستغلال داعش والقاعدة، بما في ذلك بعض الشباب من بريطانيا الذين يميلون إلى الالتحاق بمسيرة داعش الإجرامية القاتلة في سورية.
وما يُلام على هذه الأعمال الوحشية - والكثير غيرها - هو النمو الكبير بالتطرف العنيف في جيلنا هذا. ويمكننا جميعا أن نلعب دورا في هزيمته. لكن علينا تحديدا استغلال الشباب لمساعدتنا في كفاحنا هذا لأجل التوصل لحل طويل الأجل. إنهم ضحايا التطرف، لكنهم أيضا الحل، وفق ما قاله صاحب السمو الملكي. وسوف أشير إلى ثلاث مجالات أعتقد أن يمكننا معا من خلالها إحداث تغيير.
أولا، علينا أن نواجه بكل حزم ما يقوله المتطرفون. ومن الواجب على كافة القيادات السياسية، والقيادات الدينية تحديدا، القول بوضوح “ليس باسم ديني”. لكن كما قال آخرون، الخروج بأقوال مضادة لا يكفي. بل علينا تشجيع بديل إيجابي متمثل بالحديث عن التسامح والشمولية.
علينا مساندة الشباب الشجعان الذين ينادون ضد التطرف ويروجون لهذه الرسائل البديلة. وجميعنا نذكر الشجاعة والقيادة التي أبدتها ملالا يوسفزئى الفائزة بجائزة نوبل. وكلمتها أمام الجمعية العامة التي دعت فيها إلى التعليم للجميع، حتى لمن سعوا لقتلها، فيها رسالة قوية ضد التطرف. وحكايتها تمنح الأمل والإلهام للشباب في كل مكان.
إن مساندة الشباب الذين ينادون ضد التطرف هي أكثر من مجرد منحهم منصات للحديث. بل يتعين مساندة الدول لتوفير التعليم للجميع كي يتمكن آخرون من اتباع خطى ملالا. وتفتخر المملكة المتحدة بمساندتها ما يفوق 4.5 مليون طفل في المرحلة الابتدائية، أغلبهم في آسيا وأفريقيا. وكما قالت ملالا، المتطرفون يعتدون على المدارس “لأنهم يخشون ما يجلبه التعليم من تغيير ومساواة للمجتمع”.
ومن خلال التعليم يمكننا جزئيا المساعدة في كشف أكاذيب القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرهم. حيث ذلك يساعدنا في فهم كيف أنهم يستغلون الدين بما يتوافق مع أهدافهم الخاصة العنيفة. ومن خلال التعليم يمكننا منح الفرصة للشباب الضعفاء الذين مازالوا يبحثون عن مكانتهم وهويتهم في العالم.
إلا أن التعليم وحده لا يكفي. فكما سمعنا، الرابط بين التحصيل التعليمي والتطرف ليس بسيطا. ففي المملكة المتحدة هناك الكثير جدا من البارعين أكاديميا جنحوا أيضا نحو التطرف.
وبالتالي علينا ثانيا أن ندرس العوامل التي تدفع الشباب للتطرف في مجتمعاتنا. علينا حماية الشباب في مدارسنا وجامعاتنا وسجوننا من تأثير التطرف. وقد دربت المملكة المتحدة ما يفوق 130,000 من العاملين في القطاع الحكومي لتحقيق ذلك الهدف. ولدينا فريق من المنسقين يساعدون الجامعات في إدارة خطر التطرف. ولدى مدارسنا ضمانات واضحة لمنع الترويج للأفكار المتطرفة التي لا تتماشى مع قيمنا. وسجوننا تحمي السجناء الشباب الضعفاء أثناء وبعد قضاء فترة حبسهم لمنع تطرفهم.
ذلك لا يعني كبت حرية التعبير عن الرأي. حيث أن مكافحة الأفكار المتطرفة تكون ممكنة فقط حين يكون لدى الناس حرية مواجهتها. لكن علينا إدراك أن التحريض على الكراهية وتوليد العنف لا ينحصر بالتطرف العنيف وحده، بل حتى التطرف غير العنيف - سواء كان تطرفا إسلاميا أو النازيين الجدد - يمكنه ذلك.
وللإنترنت بالطبع دور كبير في ذلك. فقد استغل تنظيم داعش وغيره وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائل إعلامية بغيضة. وقد اضطرت المملكة المتحدة منذ عام 2010 لإزالة 75,000 مادة إعلامية تشجع أو تمجّد التطرف العنيف.
إلا أن باستطاعة المجتمع المدني وقطاع شركات الإنترنت أن يلعبوا دورهم أيضا. فعليهم عدم التسامح إطلاقا تجاه إساءة استغلال المتطرفين لمؤسساتهم ومواقعهم. يمكن أن تكون الإنترنت وسيلة قوية للتصدي للتطرف، وعلينا ألا نسمح للمتطرفين استغلالها دون مواجهتهم. كما أن من الواجب علينا ضمان أن يكون الشباب في مقدمة وجوهر نهجنا، سواء كنا حكومة أو مجتمعا مدنيا أو شركات إنترنت، ليكون ذلك بديلا لدعاة الكراهية من المتطرفين يكون ذو مصداقية ويبعث على الأمل.
والمجال الثالث يكمن في مجلسنا هذا. فقد تبنينا في الشهور الستة الماضية قرارات تستهدف تمويل داعش، وقرارات تلزم الدول لمنع سفر المقاتلين الإرهابيين الأجانب. ومن خلال رئاسة الأردن عقدنا لقاءات هامة للقيادات الدينية ووزراء الخارجية والخبراء لبحث الخطوات العملية لمعالجة هذا التحدي.
لكن باستطاعتنا، بل علينا، فعل المزيد. وكما قال البروفيسور نيومان، مازال أمامنا الكثير لنتعلمه حول مسببات التطرف. والدول الهشة والمبتلاة بالصراع يمكن أن تهيئ الظروف لنمو التطرف العنيف. كما أن تضارب الهوية والتهميش الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يكون لهم دور في ذلك. وبالتالي يمكن أن يلعب بناء السلام الفعال عبر الأمم المتحدة دورا هاما. ويمكننا من خلال الترويج لمؤسسات سياسية واقتصادية ممثلة للجميع وتشجيع العمليات الديموقراطية المساعدة في توفير بديل للشباب عوضا عن جنوحهم للتطرف.
وحين نفعل ذلك تكون لدينا فرصة جعل مجلس الأمن هذا مناسبا لتلبية أغراض جيل جديد. فكلما فشل المجلس باتخاذ إجراء بشأن قضية مثيرة للقلق على الصعيد العالمي، فإننا نقوض ثقة الشباب بعملنا وجهودنا. وكلما سمحنا لمصالح وطنية ضيقة التحكم بأولويات دولية، فإننا نضعف الثقة بالمجلس وبحكوماتنا. ليس بوسعنا أن نخاطر بحدوث ذلك في وقت يواجه جيلنا فيه تحدي التطرف.