كلمة وزير الخارجية في حوار المنامة في البحرين
ألقى وزير الخارجية، جيمس كليفرلي، بكلمة في مؤتمر حوار المنامة في البحرين انتقد فيها روسيا وإيران باعتبارهما تشكلان تهديدا لأمن منطقة الشرق الأوسط.
أصحاب السمو الملكي، أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
أشكركم لدعوتي للحديث هنا اليوم. عندما فتحت بريطانيا سفارتها هنا في البحرين، كان بوسع دبلوماسيينا النظر مباشرة إلى مياه الخليج ومشاهدة سفن الغوص التي تحمل غواصي اللؤلؤ متجهة إلى “الهيرات”، حيث يوجد المحار في قاع البحر في الشمال.
أما اليوم فإن سفارتنا تقع على مسافة نصف ميل تقريبا من الساحل، ليس لأنها نقلت مقرها، ولكن لأن البحرين أبعدت ساحل البحر باستصلاح الأراضي التي كانت يوما تحت أمواج البحر.
وفي كل مكان من حولنا، شهدت شبه الجزيرة العربية تحولا هو من أسرع التحولات على مر التاريخ بفضل قوة الهيدروكربونات التي أتاحت لمدن شامخة أن تنهض من الصحراء الجرداء، وأتاحت لبلاد بأكملها أن تحقق الازدهار، ازدهارا كبيرا، خلال جيل واحد.
العبرة التي أستخلصها من ذلك هي أنه عندما يقرر أصدقاؤنا في الخليج والمنطقة الأوسع نطاقا أن يُحدثوا تغييرا، فإنهم قادرون على إعادة ابتكار حياتهم، بل وإعادة ابتكار اقتصادهم، بسرعة مذهلة.
والآن تشهد البلاد بدايات تحول آخر، وإني أومن بأنه سيكون بدوره حدثا عظيما مليئا بالفرص، بينما تعيد هذه المنطقة رسم ملامحها باستغلال طاقة الشمس والرياح والطاقة النووية.
وبينما تشرعون في هذه الرحلة، أريد أن أؤكد لكم أن المملكة المتحدة سوف تظل صديقا وشريكا ثابتا لكم، ملتزمة بعلاقاتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المدى البعيد، وتفعل ذلك بالبناء على قرون من التقاليد والصداقة التي تجمعنا.
لأننا نعلم أن أمنكم هو أمننا، وأن أي أزمة تقع هنا ستكون لها تداعيات عالمية لا مفر منها.
كما نعلم أن ازدهاركم هو ازدهارنا، وذلك يتجسد في تدفق التجارة التي تشهد رواجا أكبر من أي وقت مضى بين بلداننا، بما في ذلك ما يزيد على 44 مليار جنيه استرليني من التبادل التجاري بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
ونحن نرحب بالمبادرات في المنطقة الرامية إلى تعزيز الاستقرار، بما في ذلك اتفاقيات أبراهام التاريخية، والتي تلتزم المملكة المتحدة بدعمها.
وبريطانيا على قناعة بأننا لن نتمكن من التصدي للتهديدات المشتركة واقتناص الفرص التي أمامنا إلا بتعاون أوثق فيما بيننا.
لهذا السبب نتفاوض على اتفاقية للتجارة الحرة مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أذكّر الحاضرين هنا بأن هذه المنطقة هي رابع أكبر سوق تصدير لنا بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين.
ولهذا السبب نقدم التمويل الإنمائي من خلال مؤسسة الاستثمار الدولي البريطاني – حيث قدمنا حتى الآن 500 مليون دولار إلى مصر، و250 مليون دولار إلى المغرب.
ولهذا السبب كذلك نعمِّق شراكاتنا الأمنية مع الأردن وسلطنة عُمان، ونعزز تعاوننا مع المراكز المالية في المنطقة للتصدي للأموال غير المشروعة.
ولهذا نريد أيضا أن نكون معكم في انتقالنا المشترك إلى الطاقة الصديقة للبيئة، ضامنين استفادتنا جميعا من تكنولوجيا الطاقة المتجددة التي لا تُعتبر عملية وحسب، بل هي ميسورة التكلفة على نحو متزايد، بل إنها أيضا تبشر بالوصول إلى أمن الطاقة إلى درجة تكاد تكون كاملة.
استضفنا في العام الماضي مؤتمر الأطراف كوب 26 في غلاسغو، ثم سلَّمنا راية العمل إلى مصر التي استضافت كوب 27 هذه السنة، ونتطلع قُدما إلى كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة في العام المقبل.
وإني أشيد بخطط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاستثمار ما يقارب 350 مليار دولار في الطاقة الصديقة للبيئة، وأيضا بما تطمح إليه البحرين بمضاعفة استخدامها لمصادر الطاقة المتجددة بحلول 2035.
كما أستمد إلهامي من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي ستساعد الدول على تحقيق مساهماتها المحددة وطنياً لخفض انبعاثات الكربون.
لكن لن يتحقق أي من طموحاتنا المشتركة دون الأمن - والحقيقة المرة هي أننا نواجه مجموعة أكبر من التهديدات.
ففي شهر يناير من السنة الحالية وقفتُ في حديقة سكن السفير البريطاني في أبو ظبي أشاهد التفجيرات في سماء الليل لدى اعتراض وإسقاط صواريخ الحوثيين - ويمكنني التأكيد لكم بأنني أثنيتُ على دقة وكفاءة الصواريخ الدفاعية الإماراتية في ذلك المساء.
مسارات الضوء تلك في السماء فوقي كانت دليلا واضحا على مدى تهديد الأسلحة الإيرانية للمنطقة بأكملها.
واليوم أصبح برنامج إيران النووي أكثر تطورا من أي وقت مضى، ولجأ النظام إلى بيع روسيا الطائرات المسيَّرة المسلحة التي تقتل المدنيين في أوكرانيا.
وبينما يخرج أفراد الشعب الإيراني في مظاهرات رفضا لعقود من القمع، يساهم قادة إيران في نشر إراقة الدماء والدمار في أنحاء هذه المنطقة وفي مناطق بعيدة مثل كييف.
لذا فإن بريطانيا عاقدة العزم على العمل إلى جانب أصدقائنا لمواجهة التهديد الإيراني، وحظر تهريب الأسلحة التقليدية، ومنع النظام من تطوير قدراته لإنتاج أسلحة نووية.
ففي مرتين هذا العام، اعترضت فرقاطة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، تعمل في المياه الدولية جنوب إيران، قوارب سريعة محمَّلة بصواريخ أرض جو ومحركات لصواريخ كروز.
لو أن تلك المحركات وصلت وجهتها، لكانت قد اسُتخدمت في إنتاج صواريخ كروز من النوع الذي استُخدم في قصف أبو ظبي في 17 يناير، وأزهق أرواح ثلاثة مدنيين، ولكانت حصيلة الخسائر أكبر من ذلك لولا الدفاعات التي شاهدتُها بعد بضعة أسابيع أثناء تصديها لتلك الصواريخ في سماء أبو ظبي.
لذلك فإن القوات البريطانية تسعى جاهدة إلى جانب نظرائها في هذه المنطقة إلى الحفاظ على سلامتنا، والدفاع عن مبادئ السيادة ووحدة الأراضي التي تحمي كل بلد.
اعتداء بوتين على أوكرانيا هو انتهاك سافر لمبادئ السيادة وسلامة الأراضي.
وما من بلد بمنأى عن الاضطرابات التي تسبب بها في أسواق الطاقة العالمية أو الضرر الذي ألحقه بأمن الغذاء العالمي.
يوما بعد يوم نرى حرب بوتين تسبب مزيدا من المعاناة للسوريين واليمنيين، في الوقت الذي يعانون أصلاً من الحرمان من الإغاثة الإنسانية الطارئة، كما تؤثر على المواطنين اللبنانيين المتضررين من الأزمة الاقتصادية.
وفي غضون ذلك، فإن الأهوال التي يكيلها بوتين على المدنيين الأوكرانيين تضاهي ما سبَّبه هو والأسد من دمار في حلب ومدن سورية أخرى.
ولكن على الرغم من استخدام القوة المفرطة التي لا ترحم، فإن بوتين يتجرع الخسارة.
فالقوات الروسية تتقهقر في كل مكان تقريبا، وما هي إلا مسألة وقت قبل أن تنتصر أوكرانيا.
ويجب أن تُدرك ذلك أنظمة أخرى ربما كانت تفكر بفعل مماثل، ذلك أن أغلب العالم عازم على ضمان أن العدوان لن يُكافأ بالنصر.
وهذه المنطقة برهنت إيمانها بمبادي السيادة ووحدة الأراضي عندما صوَّتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة بوتين على ضم الأراضي الأوكرانية.
ومثلما أن تلك المبادئ تبقى راسخة، فإني يحدوني إيمان عميق بأن صداقات بريطانيا مع جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تدوم وتزداد عمقا، بينما نصون السلام والأمن معا، وبينما تَبْرع هذه المنطقة في تحولها الثاني مهيِّئة الطريق لعالم جديد من الطاقة الصديقة للبيئة خلفا لما قبله.