سورية: تصريح وزير الخارجية لمجلس العموم
"كل شهر من العنف في سورية يعني المزيد من القتلى، ودمارا أوسع، وعددا أكبر من اللاجئين، ومواجهة عسكرية أكثر دموية."
أدلى وزير الخارجية، ويليام هيغ، بتصريح لمجلس العموم بشأن تطورات الأوضاع في سورية، والتعديل في عقوبات الاتحاد الأوروبي لإتاحة تقديم المزيد من المساعدات للمعارضة السورية.
فيما يلي نص تصريحه:
لقد آن الأوان لإبلاغ المجلس بالتطورات الضرورية في سياستنا، واستعدادنا للمزيد من التغيير فيها بحال استمر سفك الدماء.
وصل الصراع، بعد انقضاء عامين منذ اندلاعه، إلى مستويات كارثية. فقد سقط 10,000 قتيل منذ أن أدليت بتصريحي الماضي أمام المجلس بأوائل شهر يناير (كانون الثاني). ذلك يعني بأن عدد القتلى الذين سقطوا في الشهرين الأولين من العام الجاري يفوق عدد القتلى الذين سقطوا طوال العام الأول من الصراع بكامله. ويقدر عدد القتلى حتى الآن بما يفوق 70,000 قتيل.
وبدأ النظام باستخدام صواريخ “سكود” الباليستية ضد المدنيين. ووجدت لجنة التحقيق بشأن سورية التابعة للأمم المتحدة أدلة على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك المذابح والتعذيب والإعدام الفوري وسياسة الاغتصاب المنهجية التي يتبعها جنود النظام وميليشياته.
منذ عام كان يبلغ عدد السوريين الذين بحاجة لمساعدات داخل سورية المليون شخص. وقد ارتفع هذا الرقم الآن ليصل إلى أربعة ملايين، من بين إجمالي تعداد السكان البالغ 21 مليون نسمة.
وهناك 40,000 شخص يفرون من سورية كل أسبوع، ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال. وارتفع عدد اللاجئين بمعدل ثلاثين ضعفا في الشهور العشرة الماضية ليصل اليوم بكل أسف إلى مليون لاجئ. وازداد تعداد سكان لبنان، الذي زرته منذ أسبوعين، بمعدل 10% نتيجة تدفق اللاجئين. وقد بات الوضع بائسا نتيجة المعاناة الإنسانية المتنامية.
وليس هناك أي مؤشر على أن نظام الأسد يعتزم الآن الانخراط في عملية سياسية حقيقية. بل يبدو وأنه يعتقد بأن باستطاعته هزيمة خصومه بالسبل العسكرية، ويعول على حماية بعض الدول له في مجلس الأمن الدولي. وسيكون من الضروري قلب كل من حساباته هذه رأسا على عقب إذا ما أردنا أن يصل هذا الصراع إلى نهاية سلمية.
بالطبع مازالت غايتنا هي تحقيق انفراج دبلوماسي. وقد ناقشت في الأسبوع الماضي مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري، الوضع في سورية خلال زيارته إلى لندن، كما ناقشته مع شركاء آخرين مقربين أثناء اجتماع أصدقاء سورية الذي عقد في روما. واجتمعت في روما برئيس الائتلاف الوطني السوري السيد معاذ الخطيب، ورحبت بإعلانه الجريء بأن الائتلاف مستعد تماما لفتح حوار مع أعضاء نظام الأسد.
إننا نواصل جهودنا للتوصل لأرضية مشتركة مع روسيا. وسوف أجري محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف بعد ظهر اليوم، ومع وزير الخارجية الروسي لافروف في الأسبوع المقبل هنا في لندن.
لقد حدد الممثل المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) خطة واقعية لتشكيل سلطة انتقالية في سورية. ونحن نعمل مع الحلفاء لكي نحشد، إن أمكن على الإطلاق، دعم مجلس الأمن الدولي لعملية انتقالية، وسوف أجتمع بالسيد الابراهيمي مجددا بعد ظهر اليوم أيضا.
لكن مازال الواقع هو أن الدبلوماسية تستغرق وقتا أطول من اللازم، وبأن فرص حدوث انفراج فورا ضئيلة للغاية. فكل شهر من العنف في سورية يعني المزيد من القتلى، ودمارا أوسع، وعددا أكبر من اللاجئين، ومواجهة عسكرية أكثر دموية.
ليس بوسع المجتمع الدولي الوقوف متفرجا في وجه هذا الواقع. وسياستنا هي ضرورة التحرك تجاه بذل المزيد من الجهود للحول دون سقوط قتلى في سورية، وهذا يعني تعزيز دعمنا للمعارضة، وبالتالي زيادة الضغوط على النظام للقبول بحل سياسي.
إن ما نواجهه ليس خيارا بين الدبلوماسية من جهة والمساعدة العملية من جهة أخرى: مساعدة المعارضة ضرورية لأجل التوصل لعملية انتقالية سياسية ولإنقاذ الأرواح، ويجب السعي في الأمرين بموازاة بعضهما.
سنكون حريصين دوما في كيفية تطور سياستنا. لكن استعدادنا لتطويرها يجب ألا يكون محل شك، وخصوصا لدى نظام الأسد. إن ما يحدث في سورية ضروري لأجل مصلحتنا الوطنية، وذلك لثلاثة أسباب:
أولا، نمو التطرف. علينا ألا ننسى أبدا بأن الغالبية العظمى من المعارضين للنظام هم من المواطنين العاديين الذين يحاولون الدفاع عن مدنهم وقراهم ونيل الحرية لبلدهم. لكن باتت سورية اليوم الوجهة الأساسية للجهاديين من أي مكان في العالم، وقد شهدنا بالفعل زيادة بأعمال العنف والهجمات الطائفية باستخدام القنابل يدوية الصنع، بما في ذلك السيارات المفخخة. لا يمكننا السماح بأن تصبح سورية أرضا خصبة لنمو الإرهابيين الذين يشكلون خطرا على أمننا القومي.
ثانيا، هذه الأزمة باتت تقوض السلام في المنطقة. فعلاوة على أزمة اللاجئين، وردت أنباء عن وقوع اشتباكات على الحدود العراقية وفي لبنان. ويقلقنا بشكل متزايد استعداد النظام لاستخدام الأسلحة الكيميائية. لقد حذرنا نظام الأسد بأن استخدامه للأسلحة الكيميائية سوف يستدعي ردا جديا من المجتمع الدولي. وسوف يحاسَب كل من يصدر الأوامر باستخدام هذه الأسلحة، وكل من يستخدمها. كما أن هناك معلومات موثوقة بأن إيران تقدم دعما عسكريا كبيرا للنظام من خلال جهاز الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك إرسال الأفراد والمعدات والأسلحة والمساعدات المالية المباشرة.
ثالثا، يجب أن نكون نحن وحلفاؤنا مستعدين دائما للاستجابة للأوضاع الإنسانية الخطيرة. فسياستنا الخارجية تسير بموازاة صيانة حقوق الإنسان وحماية الأرواح ودعم القانون الدولي. وبالتالي علينا مساعدة القوات الفعلية المعتدلة والديموقراطية في سورية الذين بحاجة ماسة لمساعدة منا، والذين يشعرون بأن المجتمع الدولي قد خذلهم. فكلما طال هذا الصراع، كلما ازدادت في سورية المعاناة الإنسانية واضطهاد الأقليات والتحول للتطرف والصراع الطائفي.
ورغم هذه الجدليات الثلاثة المقنعة، مازال هناك من يقولون بأن على بريطانيا أن ترفع يدها عن سورية. لكن ليس باستطاعتنا غض نظرنا عما يحدث بينما يتعرض القانون الدولي وحقوق الإنسان للانتهاك. ولا يمكننا التراجع عن أزمة قد تؤدي لزعزعة صميم الشرق الأوسط. كما سيكون تجاهل التهديدات المحتملة لأمننا نحن في قمة عدم المسؤولية.
وبالتالي فإنني أود أن أشرح للمجلس اليوم الخطوة التالية في زيادة دعمنا للشعب السوري، وأؤكد بأن قد تكون هناك خطوات أخرى قد نضطر لاتخاذها.
لقد ساهمنا حتى الآن بمبلغ 140 مليون جنيه استرليني من المساعدات الإنسانية لتمويل توفير المواد الغذائية والمياه النقية للشرب والمساعدات الطبية والبطانيات والمأوى لعشرات الآلاف من المتضررين. كما أننا ندعم جهود الائتلاف الوطني السوري لإيصال المساعدات داخل سورية. وسنسعى إلى سبل أخرى لتخفيف الأزمة الإنسانية وتوسيع إمكانية إيصال المساعدات في أنحاء سورية، بينما نستعد لمساعدة الحكومة التي ستشكل مستقبلا على معالجة أوضاع ما بعد الصراع.
كما خصصنا 9.4 مليون جنيه استرليني حتى الآن لتقديم دعم غير فتاك للمعارضة السورية والمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك يتضمن مولدات الكهرباء وأجهزة الاتصالات. وقد دربنا أكثر من 300 صحفي وناشط سوري. ونوفر أيضا أجهزة اتصالات عبر الأقمار الصناعية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
لقد أبلغت المجلس في شهر يناير (كانون الثاني) بأننا سوف نسعى لتعديل عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سورية لفتح المجال أمام إمكانية تقديم المزيد من المساعدات في حال تدهور الأوضاع. وقد توصلنا يوم الخميس لاتفاق مع شركائنا الأوروبيين بشأن استثناء محدد من عقوبات الاتحاد الأوروبي للسماح بتقديم معدات عسكرية غير فتاكة وكافة أشكال المساعدات الفنية للائتلاف الوطني السوري بهدف حماية المدنيين.
تلك هي خطوة هامة في قدرتنا على دعم المعارضة والمساعدة في حماية الأرواح. فهذه المساعدات الفنية قد تتضمن المساعدة والمشورة والتدريب على كيفية الحفاظ على الأمن في المناطق التي لم تعد تحت سيطرة النظام، والتنسيق ما بين المجلسين المدني والعسكري، وكيفية حماية المدنيين لتخفيف المخاطر التي قد يتعرضون لها، وسبل الحفاظ على الأمن خلال المرحلة الانتقالية. وسوف نقدم الآن تلك المساعدات والمشورة والتدريب.
كما ننوي الاستجابة لطلب المعارضة بتوفير معدات لاستخدامها في عمليات البحث والإنقاذ، ومحارق ومعدات لجمع النفايات لمنع انتشار الأمراض. وسنساعد المجالس البلدية المحلية في الحصول على الأموال والمعدات اللازمة لإصلاح إمدادات الكهرباء والماء للبيوت. وسنستجيب أيضا لطلب المعارضة بتوفير المزيد من معدات تنقية المياه، ومعدات لمساعدة القيادات السياسية المدنية في العمل والاتصالات.
وسنقدم الآن كذلك أنواع جديدة من المعدات غير الفتاكة لحماية المدنيين، وهذا يتجاوز ما قدمناه من قبل. حيث أننا نعمل مع الائتلاف الوطني على تحديد معدات الوقاية التي ستحقق أكثر مساعدة لهم، والتي من الممكن أن تنقذ الأرواح. وسوف أبقي المجلس على اطلاع بشأن هذه المعدات، لكنها سوف تتضمن بكل تأكيد على سبيل المثال سيارات دفع رباعي مدرعة لمساعدة شخصيات من المعارضة على التحرك بحرية أكبر داخل البلاد، ومعدات للحماية الشخصية، بما فيها السترات الواقية.
وسيكون باستطاعتنا الآن أيضا تزويد المعارضة بمعدات مختبرية لتمكينهم من جمع الأدلة في حال استخدام أسلحة كيميائية. وسنمول أيضا التدريب لمساعدة المسلحين في فهم مسؤولياتهم والتزاماتهم بموجب معايير القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. حيث أن انتهاكات حقوق الإنسان غير مقبول ارتكابها من أي طرف.
لقد خصصنا في الشهر الحالي حوالي 3 ملايين جنيه استرليني لتمويل هذه الجهود، ومبلغ 10 ملايين جنيه استرليني إضافي لما بعد، وهذا يصل إلى 20 مليون دولار من المعدات غير الفتاكة والدعم العملي للمعارضة السورية والمجتمع المدني، علاوة على 60 مليون دولار أعلنت الولايات المتحدة عن تقديمها. ونأمل بأن تقدم دول أخرى مساعدات مماثلة.
ليس هناك أدنى شك لدى مجلس الوزراء بأن هذه استجابة ضرورية ومتناسبة وقانونية لأوضاع المعاناة الإنسانية الشديدة، وبأن ليس هناك أي بديل عملي لها. وسيجري تقويم ومراقبة كافة مساعداتنا بكل حرص، كما أنها قانونية والهدف منها إنقاذ الأرواح وتخفيف الكارثة الإنسانية ودعم الجماعات المعتدلة.
لقد كان قرار تعديل عقوبات الاتحاد الأوروبي بهذا الشكل صعبا جدا، وتم التوصل إليه في آخر لحظة. وقد ثابرنا عليه لأننا نعتقد بأن من الأفضل التوصل لسياسة أوروبية موحدة. وبرأينا في حال عدم التوصل لحل سياسي للأزمة في سورية واستمرار الصراع، فسيكون علينا نحن وسائر الاتحاد الأوروبي الاستعداد لاتخاذ المزيد من الخطوات، ولن نستبعد أي خيار بهدف إنقاذ الأرواح.
وفي حال وجود صعوبة بالاتفاق على إجراء تعديلات أخرى على عقوبات الاتحاد الأوروبي، فإننا على استعداد لاتخاذ أي إجراءات محلية ضرورية لضمان استمرار فعالية العقوبات الأساسية ضد سورية.
أمامنا الآن وضع يجب أن نوازن فيه بكل جهد بين الأزمة الإنسانية الشديدة والتهديدات المتنامية للأمن والسلام العالميين من جهة، وغير ذلك من المخاطر من جهة أخرى.
وحيث باتت هذه الأزمة الآن واحدة من أكبر الأزمات بكافة المعايير، وملايين الناس يضطرون للنزوح، وعشرات الآلاف سقطوا قتلى، وعشرات من الآلاف الآخرين معرضين يوميا لفقدان حياتهم، وكون أكثر مناطق العالم اضطرابا باتت أكثر توترا، والأزمة السياسية قد استمرت عامين، لا يمكن لسياستنا أن تبقى جامدة أو لموقفنا أن يتسم بعدم المبالاة.
إن هذا الوضع الذي يزداد سوءا يتطلب نهجا أكثر فعالية، والتعلم من الصراعات التي وقعت سابقا، والتأكيد دوما على ضرورة التوصل لحل سياسي ودبلوماسي للأزمة، ولكن أيضا الاستعداد لممارسة ضغوط متزايدة لمحاولة تحقيق ذلك.
المزيد من المعلومات
[مساعدة بريطانيا للاجئين السوريين في لبنان] (https://www.gov.uk/government/news/foreign-secretary-uk-aid-to-support-syrian-refugees-in-lebanon)