يجب على إسرائيل العمل الآن للسماح بدخول المساعدات وإنقاذ حياة الناس في غزة. بريطانيا لديها خطة لحدوث ذلك: مقال وزير الخارجية
عن طريق فتح المعابر لفترات أطول، وإعادة توصيل شبكة المياه، وقدرة موظفي الأمم المتحدة على توزيع المواد الغذائية بأمان يمكننا الحد من حجم هذه الكارثة.
كان من المؤلم جدا خلال عطلة عيد الميلاد قراءة آخر تقييم مستقل لمستوى الجوع في غزة. إنه وضع يبعث على اليأس - ومن المتوقع أن يتفاقم سوءاً. فوفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، فإن تسعة من بين كل عشرة فلسطينيين في قطاع غزة قد لا يحصلون إلا على أقل من وجبة واحدة في اليوم.
ومع نزوح الأسر وانعدام شبه كامل للمرافق الصحية، فإنه لا مناص من انتشار الأمراض. إن ما يقرب من 40% من سكان قطاع غزة هم دون سن الخامسة عشرة من العُمر. ولا ينفكّ شبح الموت واليأس يلاحق حياة هؤلاء الأطفال.
نعلم جميعا أنه من واجبنا العمل لمعالجة ذلك. والسؤال الآن هو: كيف؟
يقول البعض أنه لا مناص من الوصول إلى وقفٌ فوريٌ لإطلاق النار. ومن جهتي، فأنا لا أريد لهذا الصراع أن يستمر لحظةً واحدةً أطول من اللازم. هذا بالضرورة يعني التوصل إلى وقفٍ مستدامٍ لإطلاق النار، وقفٍ يستمر ويدوم ويحول دون عيْش جيلٍ آخر من الأطفال في خوف مستمر من الحرب: ذلك يعني بلا حماس، ولا مزيد من هجماتها الصاروخية واستمرارها في الإرهاب.
وعليه، فقد طالبتُ بمزيد من الهُدن الإنسانية، من أجل إخراج المزيد من الرهائن وإيصال مزيد من المساعدات إلى غزة.
لكن ماذا لو لم يتحقق أيٌ من هذه الأمور في القريب العاجل؟ كيف لنا أن نحول دون تحوّل الجوع إلى مجاعة؟ كيف يمكننا تخفيف مستوى المعاناة، وفي الوقت ذاته تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس؟
إننا بحاجة إلى إيصال المزيد من المساعدات – وبسرعة.
في الأيام الأخيرة، نقلت البحرية الملكية أول شحنة من المساعدات إلى مصر عن طريق البحر، وتضمنت أكثر من 80 طناً من البطانيات والإمدادات الطبية المنقذة للحياة. كما أسقطت فرنسا والأردن بعض المساعدات جوا فوق غزة.
وقد آليْنا على أنفسنا، نحن وشركاؤنا، التفكير بكل وسيلة ممكنة لإيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين في غزة. بيْد أن الاحتياجات هائلة جداً، ومن الصعب سد النقص وإحداث فرق كبير على المدى القصير باستخدام وسائل النقل الجوي والبحري لإيصال المساعدات بصورة مباشرة. غير أن المهم حالياً أبسط بكثير، ويتمثّل في الحاجة إلى إدخال مزيد من المساعدات عن طريق البر بسرعةٍ أكبر، وبفعالية أكبر.
في الأسبوع الماضي، كان يدخل إلى غزة ما يزيد قليلاً عن 100 شاحنة يومياً عبر معبريّ رفح وكرم أبو سالم. ويرتفع هذا الرقم تدريجيا إلى نحو 200 شاحنة يومياً. ولكن حتى هذا ليس كافياً على الإطلاق - فلا بدّ لعدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً أن يقترب من 500.
إننا ندرك آلام إسرائيل وغضبها بعد الفظائع التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إضافة إلى الاستمرار في احتجاز الرهائن في ظروف رهيبة، ومن بينهم مواطنان بريطانيان. ومما لا شك فيه أن حماس لا تبدي أي اعتبار لحياة المدنيين، سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين. الوضع على الأرض معقد بشكل لا يستطيع معه أي بلد بمفرده إيجاد حلٍّ له.
ومع ذلك، فإن تفاقُم الوضع ليتحول إلى كارثة أكبر لن يساعد في تحسّن في وضع هؤلاء الرهائن أو في تحقيق أهداف إسرائيل الحربية. وأعتقد أن هناك الكثير الذي يمكننا القيام به ويؤدي بالتالي إلى إحداث فرق فوري.
فكما رأيتُ في مدينة العريش في مصر، هناك قدرٌ كبيرٌ جداً من المساعدات المتراكمة حاليا التي لا يمكن إدخالها إلى غزة. وقد عينتُ ممثلا للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واستناداً إلى تقييماته المكثفة، حددنا مواضع الاختناقات وكيفية التغلب عليها.
هناك مثلاً نقاط العبور. فبتمديد ساعات العمل ورفع مستوى القدرة الاستيعابية لمرافق الفحص والتفتيش في معبر العوجا ونقطة تفتيش كرم أبو سالم، يمكن إدخال المساعدات بكميات أكبر كثيرا إلى غزة. وقد ساهم فتح معبر كرم أبو سالم في شهر ديسمبر/كانون الأول في معالجة ذلك – ومن شأن فتحه طوال أيام الأسبوع أن يساعد أكثر من ذلك.
كما إن فتح المزيد من الطرق لدخول المساعدات وتحميلها على الشاحنات سيغيِّر الأوضاع بشكل ملحوظ تماماً. فميناء أسدود في إسرائيل أقرب بكثير إلى غزة من ميناء بورسعيد المصري. ومرافق نقل وتحميل حمولات ضخمة متوفرة الآن وجاهزة للاستخدام.
كذلك فإن الممر البري الجديد من الأردن إلى غزة – الذي يشرف عليه برنامج الأغذية العالمي، بدعم بريطاني – استُخدم لإيصال أول دفعة من المساعدات الغذائية بلغت 750 طناً. ويمكن عبر هذين الطريقيْن إدخال كميات هائلة من المساعدات، خاصة إذا كان معبر إيرِز في الطرف الشمالي من غزة مفتوحاً.
إن المواظبة على تدفق السلع المسموح بدخولها أمر بالغ الأهمية. كما إن التعليل العقلاني والشفاف لما تتحفّظ إسرائيل على دخوله من شأنه أن يتيح للحكومات ومنظمات الإغاثة والقطاع الخاص زيادة المساعدات بشكل كبير.
بإمكان إسرائيل أيضا إعادة توصيل شبكة المياه، وإعادة توصيل التيار الكهربائي، والسماح بدخول ما يكفي من الوقود لتشغيل البنية التحتية الحيوية مثل المخابز.
وأخيرا - وربما أهم من ذلك كله - يتعين علينا أن نساعد الأمم المتحدة، التي يحاول موظفوها الشجعان إدارة التوزيع في ظل ظروف بائسة داخل قطاع غزة. فليس من المفيد إدخال المساعدات إذا لم يكن من الممكن توزيعها بشكل آمن وفعال. لذا فإن منح المزيد من تأشيرات الدخول واستيراد المركبات لهم سيعني أن سيكون في استطاعة موظفي الأمم المتحدة دخول قطاع غزة، ما يعزز ثقتنا في وصول المساعدات إلى من هم في حاجة فعلية إليها.
قد تبدو هذه الخطوات مجرّد إجراءات فنية، وغير متناسبة مع حجم المأساة الإنسانية التي تتكشف في غزة. لكن تركيزنا يجب أن ينصب على الحلول العملية التي تنقذ الأرواح، وليس على الشعارات الجوفاء التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع على الأرض.
وهذه الحلول متوفّرة الآن. وقد أزفت ساعة العمل.
هذا المقال نشرته صحيفة الغارديان وصحيفة هآرتس.