خطاب

كلمة رئيسة الوزراء في جلسة مجلس الأمن الدولي حول منع انتشار أسلحة الدمار الشامل

ألقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي كلمة في مجلس الأمن الدولي ضمن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2018.

تم نشره بموجب 2016 to 2019 May Conservative government
UN Security Council meeting

السيد الرئيس، أشكرك للدعوة إلى جلسة النقاش الهام هذا. فليس هناك من خطر يهدد السلام والأمن العالميين أشد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

هذه القضايا تهم كل رجل وامرأة وطفل في كافة أرجاء العالم.

والمملكة المتحدة، كغيرها من الأعضاء الدائمين في هذا المجلس، تقع على عاتقها مسؤولية خاصة لحماية المكاسب الكبيرة التي حققناها في السنوات السبعين الأخيرة.

ذلك لأن المجتمع الدولي قد استثمر طاقات هائلة لاحتواء هذه الأسلحة الرهيبة التي برزت إلى الوجود في القرن العشرين.

والإطار متعدد الأطراف للاتفاقيات التي تتصدى لانتشار أسلحة الدمار الشامل يعتبر واحدا من أعظم إنجازات المجتمع الدولي، ويُظهر قيمة التعاون العالمي. فقد حسّن ذلك الإطار أمننا، وأوجد تدابير لتوقع الحوادث ولتحقيق الاستقرار. كما أنه مهّد الطريق لاتفاقيات الحد من التسلّح ونزع الأسلحة.

عندما وُلد معظم من يتواجدون حول هذه الطاولة اليوم، كان يُخشى من بروز العشرات من الدول التي تمتلك أسلحة نووية. لكن عوضا عن ذلك، فإن اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية قد شهدت تخلي عدد لافت من الدول، يقارب 30 دولة، عن سعيها للحصول على الأسلحة النووية. وتم تخفيض المخزون العالمي من تلك الأسلحة بما يقرب من 80% منذ أن بلغت أوجها خلال الحرب الباردة. وهذا نجاح حقيقي على صعيد عالمي حقا.

كما تحقق نجاح مماثل - إن لم نقل أكبر- فيما يخص الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. فقد تم الآن تدمير ما يزيد عن 96% من مخزونات الأسلحة الكيميائية المُعلنة وفق إجراءات التحقق الدولية. ولا تُقر أي دولة علنا بأنها تمتلك أسلحة بيولوجية.

إلا أن فترة الثمانية عشر شهرا الأخيرة شهدت تحديات لتلك المكاسب التي ناضلنا من أجلها.

فقد رأينا الأسلحة الكيميائية تُستخدم في سورية وماليزيا والمملكة المتحدة. وشهدنا تقويض الاتفاقيات التي تحكم اتفاقيتنا النووية. وبات توقع الحوادث وتحقيق الاستقرار يشهدان تراجعا. وإن لم نعمل على مضاعفة جهودنا المُشتركة للحفاظ على ما حققناه وللبناء عليه، فإن هناك خطرا حقيقيا من أن تلك المكاسب سوف تتراجع أو تنهار.

يُنظر لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1970 على أنها حقا نبراس لتصميم المجتمع الدولي على مكافحة انتشار الأسلحة النووية. ودعم هذه الاتفاقية يتطلب حسا قياديا كالذي تُظهره إدارتك – وأنت شخصيا، السيد الرئيس – بشأن كوريا الشمالية التي تُمثل الخطر النووي الأكثر إلحاحا في العالم اليوم. فبلقائك مع كيم جونغ أون، أوجدت فرصة تاريخية لعملية نزع الأسلحة النووية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة عنه.

وإجماع هذا المجلس على فرض عقوبات على كوريا الشمالية قد لعب دورا لا يُستهان به. لكننا لن نستمر في تحقيق تقدم ذي مغزى نحو إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية دون مواصلة الضغوط. حيث يجب أن تُطبق العقوبات بشكل صارم من قبل الجميع، بما في ذلك جيران كوريا الشمالية. وعلينا أن نبقى يقظين.

كما إن ضمان منع انتشار الأسلحة يتطلب أيضا قيادة مُشتركة من النوع الذي أدى إلى الاتفاق في عام 2015 على خطة العمل الشاملة المشتركة – التي تُعرف باتفاق إيران النووي. فقد ظل حجم برنامج إيران النووي وطبيعته يثيران مخاوف جدية على الصعيد العالمي لسنوات عديدة. وكان اتفاق إيران النووي خطوة هامة نحو معالجة هذه المخاوف. وهو يبقى أفضل وسيلة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، ونحن ملتزمون بالحفاظ على الاتفاق طالما استمرت إيران بالامتثال لالتزاماتها بموجبه بالكامل. يتوجب على إيران ضمان تطبيقها لالتزاماتها بالكامل. ولمراقبة امتثال إيران، فإننا ندعم بشدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في استخدامها بالكامل لجولات التفتيش واستعانتها بغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمراقبة المنصوص عليها في اتفاق إيران النووي.

إن الأوجه الأخرى للسياسات الإيرانية، وخاصة نهجها في تقويض استقرار المنطقة وجهودها المتواصلة لتعزيز قدراتها بمجال الصواريخ البالستية، لاتزال تُشكل مخاوف جدية. وعلى المجتمع الدولي، ومجلس الأمن حين يكون ذلك ملائما، أن يكونا جاهزين لمعالجة ذلك.

كما أن عمل إيران على إرسال صواريخ وتكنولوجيا حربية متطورة لمجموعات مثل حزب الله في لبنان، وكذلك للحوثيين في اليمن - كما أكدته لجنة خبراء الأمم المتحدة، يتعارض أيضا مع قرارات مجلس الأمن. وهذا يُهدد بتصعيد خطير. لذا نحتاج لأن نرى المزيد من الإجراءات الحاسمة في هذا المجلس للتصدي لكل من نقل وانتشار هذه الأنواع من التكنولوجيا وأن نزيد الثمن الذي يدفعه المسؤولون عن ذلك.

ومما يؤسف له أن روسيا تواصل منع مجلس الأمن من القيام بمسؤولياته لوقف هذه الأنشطة التي تُقوّض الاستقرار. ولعل سورية هي أوضح مثال على النتائج الكئيبة لانهيار الأعراف الدولية بشأن أسلحة الدمار الشامل. حيث توصلت الأمم المتحدة إلى أن نظام الأسد قد استخدم الأسلحة الكيميائية مرارا، وهو ما يشكل اعتداءً مباشرا على حظر ممتد منذ قرن من الزمن تقريبا، وهو حيوي لسلامنا وأمننا المشترك. إلا أن روسيا قد لجأت مرارا إلى استخدام الفيتو لمنع مجلس الامن من تحميل نظام الأسد المسؤولية، بل أنها أوقفت عمل الهيئة الدولية التي أُنشئت من أجل التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.

لذلك، أرحب بالقرار الذي اتخذته 150 دولة في يونيو/حزيران – وهو أكبر تجمع في التاريخ – من أجل إعطاء الصلاحية لمنظمة منع انتشار الأسلحة الكيميائية لتحديد المسؤولية عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سورية، ولكي تضع ترتيبات لتحديد المسؤولية لأية دولة تطلب ذلك.

كما أود أن أشكر رئيس المجلس والرئيس الفرنسي ماكرون لتصميمهما على القيام بالعمل العسكري المُشترك الذي تم في إبريل/نيسان 2018. لقد أرسل ذلك القرار رسالة واضحة إلى نظام الأسد مفادها أن مرتكبي الاعتداءات بالأسلحة الكيميائية لا يُمكنهم الإفلات من تحديد هويتهم. ويتوجب على داعمي النظام السوري أن يمارسوا نفوذهم لضمان ألا تُستخدم الأسلحة الكيميائية ثانية. إذ يجب ألا يكون هناك أي شك بأننا سنرد بسرعة وبالطريقة الملائمة إن استُخدمت تلك الأسلحة.

كما شهدت المملكة المتحدة نتائج تهاوي تلك الأعراف الدولية في مدينة سالزبري هذا العام، عندما استخدمت روسيا غاز الأعصاب برعونة في شوارعنا. وقد قدمت المملكة المتحدة أدلة مفصلة ضد اثنين من عملاء روسيا الذين وُجهت إليهما تُهم بمحاولة الاغتيال وحيازة سلاح كيميائي. وقد اتخذنا الإجراء المناسب، مع حلفائنا، وسوف نستمر في اتخاذ الخطوات الضرورية لضمان أمننا المشترك. وكل ما فعلته روسيا هو محاولة تشويه الحقائق من خلال مزاعم مفبركة يائسة.

ينبغي على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي عدم مهاجمة وتقويض الأنظمة الدولية لمنع انتشار الأسلحة، والمؤسسات التي ترتكز عليها. ويتعين على كافة أعضاء المجلس أن يضطلعوا بمسؤولياتهم لصون تلك الأعراف دعما للسلام والأمن الدوليين.

آمل حقا أن تعاود روسيا الانضمام للإجماع الدولي ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، وإلى الجهود المشتركة الرامية للالتزام به. فإن تم ذلك، سيتمكن هذا المجلس ثانية من العمل معا لتخليص العالم من الأسلحة الكيميائية. أما إن لم يحصل، فيجب علينا ألا ندع مجالا للشكل لدى أي أحد بتصميم المجتمع الدولي على الحفاظ على الأنظمة الدولية لمنع انتشار الأسلحة.

لا تُعرض على هذا المجلس كافة التحديات التي يواجهها إطار مكافحة الانتشار، ولكنها ليست أقل إلحاحا. فعلينا أن نقوي الأنظمة من أجل مواكبة أنواع التكنولوجيا الجديدة وشبكات التوريد الدولية الأكثر تعقيدا. وعلينا أن نساعد كل دولة عضو في الأمم المتحدة على تطوير قدراتها وأنظمتها، ولضمان أنها قادرة على المساهمة في هذا الجهد العالمي.

إن الدور الهادئ، والضروري بنفس الوقت، الذي تمارسه الأمم المتحدة يجب أن يكون في صُلب تلك الجهود. لذا، علينا كأعضاء في الأمم المتحدة أن نستثمر بالخبرات والموارد الدبلوماسية الضرورية في الاتفاقيات.

إن إطار مكافحة انتشار الأسلحة هو نتاج مشاركة جماعية من جانب الدول في كافة أرجاء العالم. وحتى أقوى الدول أدركت أن الاستثمار في وضع قيود جماعية قائمة على القوانين هي الطريقة الوحيدة الفعالة لحماية المصالح القومية الأمنية ولتجنب اللجوء إلى القوة من جانب واحد.

لا يُمكننا اليوم السماح لمن يعارضون القيم ويستخفون بالقواعد التي حافظت على سلامتنا أن يقوضوا ذلك الإطار. وسوف يتطلب الأمر مشاركة جماعية لإعادة تطبيق تلك القواعد في وجه التحديات التي نواجهها هذه الأيام. وفي هذه الحالة، وكعادتها دائما، ستلعب المملكة المتحدة دورا رائدا.

Updates to this page

تاريخ النشر 26 سبتمبر 2018