السعي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا
مداخلة وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جيمس كليفرلي، خلال جلسة إحاطة في مجلس الأمن بشأن الوضع في ليبيا.
أودّ أولاً أن أشكر الأمين العام على إحاطته، وأن أشكر ممثلته الخاصة بالإنابة وفريقها على الجهود المتواصلة والدؤوبة التي يقوم بها جميع العاملين في البعثة من أجل إنهاء الصراع في ليبيا.
اسمح لي أن أشكرك أنت أيضاً، سيدي الرئيس، على رئاستك لهذه الجلسة في هذا الوقت. فقبل ستة أشهر، كان المشاركون في مؤتمر برلين، الممثّلون هنا اليوم، قد التزموا وبشكل كامل ولا لبس فيه باحترام وتنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، ودعوا جميع الجهات الفاعلة إلى الامتناع عن الأفعال التي تؤدي إلى تفاقم الصراع، بما في ذلك الامتناع عن تمويل القدرات العسكرية وتجنيد المرتزقة.
ولكن، وبعد مرور ستة أشهر، يبدو من الواضح للأسف أن بعض هذه الدول نفسها استمرت في تسليح وكلائها وتزويدهم بالإمدادات، في انتهاك صارخ لحظر الأسلحة. نحن ندين هذا التجاهل للالتزامات التي تم التعهد بها في برلين. كما ندين تجاهل قرارات هذا المجلس، وندين أيضاً التجاهل لالتزاماتهم بموجب القانون الدولي.
تشعر المملكة المتحدة بقلق بالغ إزاء الصراع المستمر الذي تؤججه التدخلات الدولية المستهترة، وإزاء التكلفة الباهظة في الأرواح وحقوق الإنسان - وفي وقت يتفشى فيه فيروس كورونا، ومع استمرار ورود أنباء عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين. وما يثير الصدمة هو أن منظمة الصحة العالمية صنفت ليبيا في المرتبة الأولى في العالم، قبل أفغانستان وسورية، بالنسبة لعدد الهجمات التي شُنَّت على المرافق الصحية والعاملين فيها في الفترة من يناير إلى مايو 2020.
كما تشعر المملكة المتحدة بالقلق بشكل خاص إزاء الخسائر غير المقبولة بين المدنيين والعاملين في مجال إزالة الألغام بسبب الألغام والفخاخ المتفجرة والعبوات الناسفة التي خلفتها القوات المنسحبة المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي. ومن جهتها، تواصل المملكة المتحدة تمويل المنظمات غير الحكومية المتخصصة لتحديد مواقع المتفجرات، وتبادل الخبرات مع أوساط مكافحة الألغام والقيام بعمليات ميدانية لإزالة هذه الألغام.
كذلك صدمتنا التقارير المقلقة حول اكتشاف قبور جماعية في ترهونة. يتعيّن على السلطات الليبية تأمين هذه المواقع إلى أن يتم إجراء التحقيقات المناسبة. وإننا ندين جميع انتهاكات حقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الهجمات العشوائية، وأعمال القتل غير القانوني، والعنف الجنسي والجنساني، وإسكات الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
أيضا لا بدّ من وضع حدٍّ للاستمرار في الإفلات من العقاب في ليبيا. لهذا السبب شاركت المملكة المتحدة في رعاية القرار الذي تم تبنيه في الدورة الثالثة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان بخصوص إنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق لتتولى التحقيق في الانتهاكات والإساءات في ليبيا. وإننا ندعو جميع الأطراف إلى تمكين البعثة من الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.
على الصعيد الاقتصادي، يعتبر التدقيق المستقل لفرعيّ المصرف المركزي خطوة حيوية تجاه تحسين الشفافية وإعادة توحيد المصرف. ونحن نحث جميع الأطراف على التعاون الكامل مع هذه العملية. ونواصل إدانتنا بشكل لا لبس فيه للحصار المفروض على المنشآت النفطية، ونرحب بالجهود التي تقودها الأمم المتحدة لرفع الحصار. يجب السماح للمؤسسة الوطنية للنفط، وهي الجهة الشرعية في ليبيا، بالعمل دون عراقيل لصالح جميع الليبيين.
كما يساورنا قلق خاص إزاء أنباء حول دخول مجموعة فاغنر ومرتزقة أجانب آخرين إلى حقول النفط الليبية. تؤدي أنشطة مجموعة فاغنر إلى تفاقم الصراع، شأنها شأن كل الدعم العسكري الخارجي - بما في ذلك توفير المرتزقة والأسلحة وإرسال الطائرات الحربية.
لكن ما الذي كسبه الداعمون الخارجيون للأطراف المختلفة من تجاهلهم المستمر للالتزامات التي قطعوها على أنفسهم في برلين؟ إذ على الرغم من التطورات السريعة على الأرض، بات من الواضح الآن وأكثر من أي وقت مضى عدم إمكانية وجود حل عسكري. إن العملية السياسية هي وحدها القادرة على توفير تسوية مستدامة وشاملة للشعب الليبي.
توجد الآن، على الرغم من كل ذلك، فرصة سانحة لتحقيق تقدم حقيقي وتغيير المسار المضطرب في ليبيا. وإننا نرحب بمشاركة الأطراف في المحادثات العسكرية 5 + 5 التي تقودها الأمم المتحدة، والتي ندعمها بوصفنا رؤساء مشاركين لمجموعة العمل الأمني. فهذا مهم الآن بشكل خاص نظراً للمخاطر الشديدة من تفاقم التصعيد حول سرت. وما من سبيل غير الدخول في حوار 5 + 5، وبحسن نية، يمكن أن يجنِّب الأطراف المزيد من إراقة الدماء، ويعيد ليبيا إلى مسار التسوية السياسية. ونحن ندعم بالكامل جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لما تبذله من جهود لتهدئة الوضع حول سرت.
بدلاً من التركيز على الأهداف القصوى والخطوط الحمراء، يتعيَّن على الأطراف المشاركة بشكل بناء في المحادثات العسكرية بُغية الاتفاق على وقف إطلاق نارٍ قابلٍ للتطبيق. وبدلاً من الإمعان في تأجيج الصراع، يجب على الداعمين الدوليين أن يدركوا أن مصالحهم تكمن في الوفاء بالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في برلين، ودعم الأطراف لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة، والوصول إلى حل سياسي شامل لعموم الشعب الليبي.