خطاب

كلمة رئيسة الوزراء في كيب تاون: 28 أغسطس 2018

تتحدث رئيسة الوزراء في كلمتها عن بناء شراكة جديدة بين المملكة المتحدة وأفريقيا لما هو في مصلحتنا المشتركة.

تم نشره بموجب 2016 to 2019 May Conservative government
PM May

أسعدتم صباحاً، وشكراً لكم جميعا على الحضور معنا. ويسرّني أن أكون هنا في كيب تاون، المدينة التي يتردد لتاريخها الحديث صدى خاص لدى الكثيرين في أنحاء العالم، والتي تشكل رمزاً للتحوّل الذي شهدته جنوب أفريقيا.

هناك في الخليج تقع جزيرة روبن، الجزيرة التي اعتقل فيها الكثيرون ظلماً ولفترات طويلة لأنهم حلموا ببلدٍ لا يؤثر فيه لون بشرتك على حقوقك وفرص حياتك.

وكان أولهم، بالطبع، نيلسون منديلا. وبينما احتفل العالم في وقت سابق من هذا العام بالمئوية الأولى لمولده، فقد أزيح السّتار عن نُصب تذكاري لهذا الرجل العظيم في دير وستمنستر في لندن. يقف تمثاله هناك مُكرَّماً إلى جانب الملوك والملكات والشعراء والعلماء الذين سطروا تاريخ أمتنا – ليكون بذلك اعترافا لاقا بالأثر المستدام الذي تركه منديلا على العالم.

إن مشوار مانديلا نحو الحرية - وجنوب أفريقيا معه – كان مشواراً طويلاً ومرهقا. ولكن قبل 28 عاماً، في مبنى بلدية كيب تاون على بعد ميلٍ تقريبا من هنا، ألقى أول كلمة له في أعقاب الإفراج عنه بعد عقود قضاها وراء القضبان.

وبعد ذلك بأربع سنين، وفي الساحة العامة للمدينة، وقف الرجل الذي تسلّم منصبه للتو رئيساً لجنوب أفريقيا ليصف انتخابه على أنه نصر ليس لحزب، بل لشعب. تحدث عن قوة الديموقراطية، وضرورة الوحدة، والمساواة والحقوق للجميع.

تحدث عن تغيير جذري ليس في ثقافة وسياسات جنوب أفريقيا وحسب، بل في اقتصادها أيضا. تحدث عن رغبته في “تغيير جنوب أفريقيا من دولة عاشت فيها الأغلبية بالقليل من الأمل، إلى دولة يمكن العيش والعمل فيها بكرامة وإحساس باحترام الذات والثقة في المستقبل… لبناء حياة أفضل من الفرص والحرية والازدهار.”

كانت تلك رؤية جريئة شاركه فيها إلى جانب الملايين من شعب جنوب أفريقيا مئات الملايين من الأشخاص في كل أنحاء العالم.

أشخاص مثل كوفي أنان، الذي سارت به رحلته غير المتوقعة من الضواحي في غانا إلى الرئاسة العالمية في طريق مختلف جدا عن طريق منديلا. ومع ذلك، مثله مثل رئيسكم السابق، تجاوز أثر وتأثير وقيم أنان حدود وطنه الأثير على نفسه. ومثل منديلا، كان رحيله خسارة للعالم، ولكن ثراءً وغنى لما خلّفه من إرث.

تختزل قصة حياة هذين الرجلين العظيمين حالات المدّ والجزر في التاريخ. إنهما يبيِّنان مدى ما يمكن إنجازه خلال حياة الإنسان، ولكن أيضا بأنه لا يمكن الركون لحدوث تقدم بصورة تلقائية - إذ لا بدّ من أن يكون الكفاح من أجل تأمين المكاسب كفاحاً مستمراً.

لقد وُلد منديلا في عام 1918 حين كان العالم على أعتاب سلام بعد حرب كان يُعتقد بأنها ستضع نهاية لكل الحروب. وعندما وُلد أنان بعد ذلك بعشرين عاما، كانت أحلام السلام الدائم تلك على وشك أن تتبدّد مرة أخرى، وتقضي على ملايين البشر ومنهم الكثير من أبناء هذه القارّة.

وفي أعقاب ذاك الدمار اُسِّست الأمم المتحدة، المنظمة التي جاء أنان بعد نصف قرن من تأسيسها ليرأسها. وعلى الرغم من البدايات الفاشلة والأخطاء التي وقعت طوال هذه الفترة، إلا أن المؤسسات والتعاون العالمي الذي تحقق خلالها أثمر مكاسب كبيرة في مجال التنمية والتطور.

وفي الحقبة ذاتها، جددت حركات الاستقلال مسعاها بشكل ملحّ في جيل من الدول الجديدة. حيث حصلت شعوب في أرجاء العالم على حق تقرير المصير، وكُتبت دساتير ووُلدت دول جديدة.

وكان اعتناق فكرة الأسواق الحرة وحرية التجارة، والتي تسارعت أكثر فأكثر مع نهاية الحرب الباردة، قد أصبح بمثابة أقوى وسيلة لتقدم جماعي بشري لم يشهده العالم من قبل أبداً. وفي تلك الدول التي نجحت في تبني اقتصادات السوق المنظمة بشكل صحيح، ارتفع متوسط العمر وانخفضت وفيات المواليد. وتقلّص الفقر المدقع، وارتفع صافي الدخل المعيشي. واتسعت رقعة الحصول على التعليم وتدنّت نسب الأمِّيَّة. وطوَّر المبتكرون تكنولوجيا أحدثت تطورا في حياة الناس.

لقد حققنا خلال القرن الماضي تقدما كبيرا ومشهودا. والفرص بالنسبة للجيل القادم أكبر من ذلك بكثير. غير أن الوفاء بهذا الوعد يستدعي إدراك وجود تحديات جديدة.

فبينما تراجعت الحروب والصراعات بين الدول، فإن أخطاراً جديدة قد حلّت محلها. ففي السنوات الخمس الأخيرة، قتل إرهابيون حوالي 20,000 شخص في أفريقيا – من حصار مركز وستغيت للتسوق في نيروبي، إلى تفجير الشاحنة المريع في مقديشو العام الماضي، وهجمات القاعدة في بوركينا فاسو في شهر مارس. إن الجماعات المسلحة من غير الدول تهدّد حياتنا - سواء في أوروبا أو أفريقيا - وتعمل على إذكاء التطرف بين أبناء شعوبنا.

واليوم، نرى الأنشطة الرسمية الخبيثة في تصاعد – من الهجمات الإلكترونية على المرافق الأساسية والمؤسسات الوطنية، إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في شوارع المملكة المتحدة وسورية.

وفي الوقت الذي جلبت فيه العولمة وحرية التجارة فوائد جمَّة، إلا أن هذه الفوائد لم يشعر بها الجميع، وبات الكثير من مواطنينا يخشون ألا تطالهم الفائدة منها. فمن الأزمة المالية الكبيرة في 2008 إلى ظهور الذكاء الصناعي وحلوله مكان القوة العاملة البشرية، يتساءل الناس عن نموذج التنمية الاقتصادية الذي نسعى إلى الدفاع عنه.

وبينما نواجه مثل هذه التساؤلات المحيِّرة، فإن قدرة الحكومات، القديمة منها والجديدة، على تقديم إجابات تصطدم بصعوبات.

فبالنسبة للبعض، يكمن الحل في السعي إلى وقف التغير أو عكس مساره. وفي تقويض مؤسسات التعاون العالمي، وإعادة بناء الحواجز أمام التجارة، والنظر إلى التنافس العالمي باعتباره مقارعة صفرية النتيجة يكون فيها رابح تماما وخاسر تماما.

أما أنا فلا أوافقهم الرأي.

ذلك أن هذه ليست بتحديات تواجهها دولة واحدة بمفردها.

فالأيديولوجية التي توحي بالاعتداءات الإرهابية الشريرة لا تحترم الحدود. والاعتداء بأسلحة كيميائية لا يقتصر ضرره على ضحاياه فقط، بل يضعف القيم التي تحمينا جميعا من هذا التصرف. ففي عالم أكثر ترابطا، علينا جميعا أن نواجه العواقب، الحميد منها والسيء، الناجمة عن تزايد حرية التنقل – ليس تنقل البشر عبر موجات الهجرة وحسب، بل حركة المال والبيانات والأيديولوجية. وعلينا أن ندرك بأن التنافس والتعاون ليسا شيئين متناقضين. بل يمكن أن يعزِّز كل منهما الآخر ويقوّيه.

وهكذا فإن هذا هو الوقت كي تقف دول العالم معاً. وأن تتعاون معا. وأن تنظر إلى التعاون الدولي بوصفه عملية يمكن لكلا الطرفين الاستفادة منها. وأن نعمل معا كشركاء، نتبادل مهاراتنا وخبراتنا ومواردنا كي نتصدى للتحديات التي تواجهنا، ونحتوي ونوجِّه عوامل القوة التي تشكِّل عالمنا، ونحقق الازدهار والأمن والنجاح لكافة شعوبنا.

إنني أزور هذا الأسبوع ثلاث دول – جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا – أعتبرها شريكات أساسيات في تحقيق هذا الهدف. فمن خلال كونها ديموقراطيات مزدهرة لديها علاقات دولية متينة - بما فيها العلاقات من خلال رابطة الكومونولث - واقتصادات سريعة التغير، تعتبر هذه الدول نموذجاً لأفريقيا القرن الحادي والعشرين. نموذجا لأفريقيا مختلفة عن الأنماط التي سادت في قرون سابقة، والتي ما زال البعض يعتقد بوجودها حتى في هذه الأيام.

في عام 2018 هذا، كانت خمسة من اقتصادات العالم الأسرع نموا هي اقتصادات أفريقية. ويمكن لإجمالي الناتج المحلي للقارة أن يتضاعف فعلا بين عام 2015 وعام 2030. وبحلول العام 2050، سوف يكون رُبع سكان العالم، وربع المستهلكين في العالم، من سكان أفريقيا.

من مقاطعة الكيب الغربية (وسترن كيب) إلى البحر الأبيض المتوسط، نسمع قصصا عن زيادة الاستقرار والنمو والابتكارات والأمل.

وجنوب أفريقيا، التي طالما ابتليت بشرور نظام حكم الفصل العنصري، هي الآن بلد حرَّ وديمقراطي، وموطن لواحد من أكبر اقتصادات القارة.

وفي ساحل العاج، غادرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة - ويحقق إجمالي الناتج المحلي فيها نموا أسرع بثلاثة أضعاف النمو في أوروبا.

وإثيوبيا – التي غالبا ما ارتبطت في أذهان جيل من الشعب البريطاني بالمجاعة – تتحوّل الآن سريعاً إلى دولة صناعية، وتوفر عدداً هائلا من فرص العمل، وتعمل على ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للاستثمار.

ومع ذلك، وفي وضع مألوف لدى الدول حول العالم، لم يكن التقدم المُحرز متجانساً.

حيث إلى جانب الديموقراطيات الناشئة والاقتصادات المتنامية، تظل أفريقيا موطناً لأغلبية دول العالم الهشة، ولربع النازحين محليا من سكان العالم.

فالجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام والشباب تقتل الآلاف. كما إن اقتصاد المحيطات في أفريقيا - التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة أراضيها - يتعرض للتهديد من النفايات البلاستيكية وغيرها من أشكال التلوث الأخرى.

إن معظم سكان العالم الأكثر فقرا هم أفريقيون. وقد جلبت الثروة المتزايدة معها تفاقما في عدم المساواة، ما بين الدول وفي داخلها على حد سواء. على سبيل المثال، تشهد أجزاء كثيرة من نيجيريا ازدهارا الآن، حيث ينعم كثير من الأفراد بثمار اقتصاد عاد إلى النمو من جديد. ومع ذلك، يعيش 87 مليون نيجيري على أقل من 1.90 دولار في اليوم – ما يجعلها وطنا لعدد من شديدي الفقر أكثر من أي أمّةٍ أخرى في العالم.

وعليه، فإن تحقيق نمو يستفيد منه الجميع، وليس مجرَّد نمو فقط، هو التحدي الذي تواجهه الحكومات في المملكة المتحدة وأوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها. وبينما تصبح الاقتصادات الأفريقية أكثر نجاحاً، فإن التحدي ذاته سيواجه الحكومات هنا أيضا.

والسبب هو أن التغير الديموغرافي في السنوات القادمة سوف يشكل تحديات اقتصادية أخرى ويوفر فرصاً أخرى لهذه القارة. قبل وصولي إلى هنا صباح اليوم، ذهبت لزيارة مدرسة مكيزي الثانوية في غوغوليثو. وقد وجدت الشابات اللواتي قابلتهن هناك مصدر إلهام، إذ يزخرن بالأفكار والحماسة حيال مستقبلهن، وبالاعتزاز بمستقبل بلدهن وقارتهن.

إنها نظرة يشاركن فيها العديد من الأفريقيين - 60 بالمئة منهم يبلغون من العمر أقل من 25 عاما. ومثل هؤلاء السكان الشباب يمثلون مستوى استثنائيا من رأس المال البشري والإمكانيات. وبفضل ابتكاراتهم ونشاطهم وإبداعهم، يمكن لشباب أفريقيا أن يثروا هذه القارة، بل الاقتصاد العالمي والمجتمع ككل.

ولكن لتحقيق أقصى استفادة من هذا الوعد، لا بدّ من تسخيره بالشكل الصحيح. فمن الآن وحتى عام 2035، سيتعين على الدول الأفريقية استحداث 18 مليون وظيفة جديدة كل عام لمجرد مواكبة النمو السكاني السريع. ذلك يعادل خلق ما يقرب من 50,000 وظيفة جديدة كل يوم حفاظاً على العمالة في مستواها الحالي.

من شأن ذلك أن يشكل تحدياً هائلا بالنسبة لأي قارة، ناهيك عن قارة ما زال النمو الاقتصادي فيها هشاً، وما زالت أسواقها في طور النمو.

وهذا مؤشر على الحاجة إلى مضاعفة جهودنا لضمان قيام القوى التي تصوغ عالمنا بخدمة كافة أبناء شعوبنا. ذلك أن التحديات التي تواجه أفريقيا لا تنحصر في أفريقيا وحدها. فمن مصلحة العالم أن يرى توفير هذه الوظائف، ومعالجة أسباب وأعراض التطرف وعدم الاستقرار، والتعامل مع تدفق موجات الهجرة، وتشجيع النمو النظيف الصديق للبيئة.

وإذا ما فشلنا في القيام بذلك، فإن التأثيرات الاقتصادية والبيئية ستصل سريعاً إلى كل ركن من أركان العالم المتشابك والمترابط بعضه ببعض. وستكون الآثار البشرية - من فقدان الإيمان في الأسواق الحرة والديموقراطية بوصفها الوسيلة الفُضلى لتأمين النمو العالمي وحقوق الإنسان، إلى صراعات أكبر، وقابلية متزايدة للتطرف – عالمية بنفس القدْر هي الأخرى.

لهذا السبب أودّ تأسيس شراكة جديدة بين المملكة المتحدة وأصدقائنا في أفريقيا، صداقة قائمة على أساس نجاحنا المشترك وأمننا المشترك.

وبصفتي رئيسة لوزراء بلد تجاري يعتمد نجاحه على الأسواق العالمية، أودّ أن أرى اقتصادات أفريقية قوية يمكن للشركات البريطانية أن تتعامل معها بحرية ونزاهة. وسواء تمّ الأمر عبر إيجاد عملاء جدد للصادرات البريطانية أو فرص للمستثمرين البريطانيين، فإن اقتصادنا العالمي المتكامل يرى في الاقتصادات الأفريقية السليمة بشرى مطمئنة للشعب البريطاني وللشعوب الأفريقية أيضا.

ومن هذا المنطلق، يسعدني أننا سنؤكد اليوم خططاً للاستمرار في العمل باتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي الجنوب الأفريقي وموزامبيق بمجرد انتهاء انطباق اتفاق الاتحاد الأوروبي على المملكة المتحدة.

وبوصفي رئيسة وزراء تؤمن بالأسواق الحرة، وبدول وشركات تعمل بما ينسجم وأنظمة ومبادئ العمل الراسخة تماما، فإنني أودّ أن أوضح للشباب الأفريقي بأن مستقبلهم الأكثر إشراقاً يكمن في قطاع خاص حرٍّ ومزدهر. قطاع تحركه وتسنده الشفافية والمعايير العالية وسيادة القانون والنزاهة. ففي ظروف كهذه فقط يمكن حقا مكافأة الابتكار، وانطلاق إمكانات الأفراد، وحصول المجتمعات على الفرص التي تسعى لها وتحتاج إليها وتستحقها.

وكرئيسة وزراء دولة عالمية، فإنني على علم تام بأن أمننا المحلي متوقف على الاستقرار في أنحاء العالم كله وليس في جوارنا المباشر فقط. ومن خلال الحد من العوامل الدافعة للهجرة غير الشرعية إلى منع الملاذ الآمن للإرهابيين الذين قد يوجهون اعتداءاتهم نحو شواطئنا، أصبح الأمن الأفريقي والأمن البريطاني في عام 2018 مرتبطين بشكل لا ينفصم، ويعتمد كل منهما على الآخر. وهذا هو أحد الأسباب التي جعلتني أواصل دعم المطالبة بحضورٍ إفريقي دائم في مجلس الأمن الدولي.

وعليه، فإن هناك طبعا عنصر مصلحة ذاتية قومية فيما أقترحه هنا. فانا أريد فعل ما هو مناسب لبلدي، تماما كما يسعى الرئيس رامفوزا إلى ما هو أفضل بالنسبة لجنوب أفريقيا.

وإنني لا أرى أي تعارضٍ بين المصلحة الذاتية الوطنية والتعاون العالمي. فعند العمل بالنظام متعدد الأطراف، فإن ذلك يتم نيابة عن الدول ونيابة عن شعوبنا، الأمر الذي يتيح لنا تسخير أفضل ما عند كلٍ منا، ويحول بالتالي دون هيمنة الكبير على الصغير، ويعزز النزاهة والشفافية وسيادة القانون.

الأمر لا يتعلق بتوسيع رقعة النفوذ الجيوسياسية أو خلق علاقات غير متوازنة، بل يتعلق بسعي المملكة المتحدة إلى العمل بشكل أوثق مع أكثر من 50 دولة في أفريقيا بهدف تحقيق أمننا وازدهارنا المشترك، ومن خلال ذلك تعزيز نظام عالمي يكون قادرا على توفير فوائد دائمة للجميع.

ولا بد أن يكون في صميم تلك الشراكة خلق فرص العمل. وكل زعيم أفريقي أتحدث معه يقول إن مسألة فرص العمل هي المطلب الأول لشعبه، وأكبر أولوياته السياسية. وهي أيضا في صميم جدول أعمالي في المملكة المتحدة.

ويعتبر القطاع الخاص بمثابة المفتاح لتحريك النمو الذي بدوره سيوفر فرص العمل – بإحداث تحوّل في أسواق العمل، وفتح أبواب الفرص، وإطلاق العنان لروح ريادة الأعمال. ولدى المملكة المتحدة الشركات التي تستطيع أن تستثمر في أفريقيا وأن تتاجر معها تحقيقا لهذه الغاية بالذات.

ومع ذلك، ونظراً لجملة من الأسباب، فإن القطاع الخاص لم يتمكن حتى الآن من توفير فرص العمل والاستثمارات التي تحتاج إليها دول أفريقية كثيرة.

ومن هنا، أريد أن أضع ميزانية التنمية عندنا وخبراتنا في صميم شراكتنا كجزء من مقاربة طموحة جديدة - وأن أستعين بذلك لدعم القطاع الخاص كي ينمّي أسسه وينمو.

وأستطيع اليوم أن أعلن عن طموح جديد: بحلول عام 2022، أريد أن تكون المملكة المتحدة أكبر مستثمر في أفريقيا من بين دول مجموعة الدول السبع، مع قيام شركات القطاع الخاص البريطانية بدور رائد في استثمار المليارات لنشهد بالتالي نمو الاقتصادات الأفريقية بالتريليونات.

لدينا الأدوات اللازمة لفعل ذلك. فالحيّ المالي بمدينة لندن يجعل من المملكة المتحدة مركزاً عالميا لا نظير له للاستثمار الدولي، حيث يُدار فيه أكثر من 8 تريليونات جنيه إسترليني من الأصول. ونحن موطن للعلوم والتكنولوجيا المتطورة، والدفاع والدبلوماسية والتنمية على مستوى عالمي. نحن شريك مؤتمن وجدير بالثقة: نظامنا القانوني لا يُعلى عليه، ولدينا بعضٌ من أشدّ قوانين مكافحة الفساد صرامةً في العالم. وعندما تقصّر شركاتنا تتم محاسبتها، بما في ذلك في المحاكم إذا اقتضى الأمر. كما أن التزامنا بالتجارة الحرة والمفتوحة بموجب النظام القائم على القواعد يعني أن يعرف شركاؤنا الدوليون أنهم سيعاملون بإنصاف.

لذا، سينصب التركيز الأهم لبرنامجنا التنموي على ضمان تمتع الحكومات في أفريقيا بالبيئة والمعرفة والمؤسسات والدعم لجذب استثمارات مستدامة وطويلة الأجل في مستقبل أفريقيا والأفريقيين.

وللمساعدة في تحقيق تلك الاستثمارات، بإمكاني أن أعلن اليوم عن برنامج إضافي بقيمة 4 مليارات جنيه إسترليني من الاستثمارات البريطانية في اقتصادات أفريقية لتمهد الطريق أمام ما لا يقل عن 4 مليارات أخرى من تمويل القطاع الخاص.

ذلك يشمل، وللمرة الأولى، طموح مؤسسة تمويل التنمية التابعة للحكومة البريطانية في استثمار 3.5 مليار جنيه في البلدان الأفريقية على مدى السنوات الأربع القادمة. وفي العام المقبل، سوف تستضيف لندن قمة أفريقيا للاستثمار، ما يساعد المستثمرين والحكومات الأفريقية على إقامة روابط أوثق مع بعضها البعض.

ونظراً لحاجة الأسواق والاقتصادات إلى الأفراد كحاجتها إلى رأس المال، فإننا سنتشارك أيضاً في خبراتنا – فندعم الدول الشريكة في تطوير مؤسسات وبيئات العمل فيها، والانضواء في سلسلة القيم العالمية، وبناء روابط مع المستثمرين، ومعالجة العوائق أمام النمو.

وللقيام بذلك، سنعمل على توسيع حضور الحكومة البريطانية في أفريقيا بفتح بعثات جديدة، وإرسال خبراء في التجارة، وإخصائيين في الاستثمار وغيرهم من خبراء في السياسة.

وسنواصل الاستثمار في رأس المال البشري الذي يشكل الدعامة الأساسية للازدهار في المستقبل، وضمان حصول شابات وشباب أفريقيا على التعليم الجيد والرعاية الصحية والمهارات التي يحتاجونها لتحقيق إمكانياتهم.

كما سنستغل نفوذنا ومكانتنا العالمية لتشجيع الدول المتقدمة الأخرى، والمؤسسات العالمية التي نحن عضو قيادي فيها، على اتباع نفس المقاربة.

إن القدرة على القيام بذلك - أي جلب أكثر بكثير مما يوفره التمويل الحكومي – هو ما يميز برنامج التنمية البريطاني من حيث فعاليته.

تعتبر المعونات جزءاً هاماً من المعادلة، ولكنها مصحوبة بقدرتنا على الاستفادة من مبالغ ضخمة من استثمارات القطاع الخاص من أسواق رأس المال عندنا؛ وخدماتنا المهنية عالمية المستوى؛ وخبرتنا التي لا تضاهى في الخدمات المالية والتعليم؛ واستثمارنا في العلوم والأبحاث؛ وتجارب بعض الشركات الأكثر ابتكاراً في العالم.

ويحظى هذا كله بدعم أساسي من نظامنا القانوني المحترم، والمعايير والقيم التنظيمية لدينا: فالمستثمرون البريطانيون يحترمون الممارسات الأخلاقية، ويتقيدون بالقوانين المحلية، ويساهمون في الاقتصادات المحلية، ويبنون قدرات محلية طويلة الأجل.

لذا، وبينما لا يمكننا منافسة القوة الاقتصادية لبعض الحكومات الأجنبية التي تستثمر في أفريقيا، فإن ما يمكن لنا تقديمه هو استثمار طويل الأجل وعلى أعلى مستوى من الجودة والاتساع. يمكننا تقديم ما يوفر المزيد للأفريقيين ولفترة أطول، وهو ما يمكن تحقيقه فقط عندما تعمل الحكومة والقطاع الخاص معاً.

وفي الوقت ذاته، لا يمكن اجتذاب الاستثمار أو تحقيق النمو في غياب الأمن وما يجلبه معه من استقرار. وعليه، نحتاج أيضاً إلى استخدام مساعداتنا التنموية لبناء هذا الاستقرار ومعالجة عوامل الهشاشة.

بحلول عام 2030، سيعيش 80 في المئة من أشد سكان العالم فقراً في دول هشة. وحتى في البلدان التي تعتبر مستقرة ومزدهرة نسبياً، لا تزال فيها جيوب من الهشاشة.

والمملكة المتحدة تقدم بالفعل الدعم للحكومات الأفريقية التي تواجه هذا التحدي بشكل مباشر. فالقوات النيجيرية التي تقف على خط المواجهة ضد بوكو حرام تلقت تدريبات متخصصة من بريطانيا. وعمليات مكافحة الإرهاب في مالي تدعمها مروحيات شينوك البريطانية. وقد دربت القوات البريطانية في كينيا قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المتوجهة إلى الصومال، كما أنها تعمل مع الشركاء الدوليين على إصلاح قوات الأمن الصومالية على المدى الطويل.

وتعمل منظومة تطبيق القانون في المملكة المتحدة جنباً إلى جنب مع نظرائها في جميع أنحاء أفريقيا للتصدي لخطر زعزعة الاستقرار الناجم عن الجريمة المنظمة: من متاجرين بالبشر إلى مهربي مخدرات.

لكن الرد على التحديات الأمنية ليس مجرد عسكري أو عملياتي، بل هو سياسي أيضاً. والشراكة الجديدة التي أقترحها تعني العمل مع القادة الأفريقيين الذين يقودون مسيرة التقدم، ويواجهون التحديات السياسية والمصالح الشخصية لضمان تدفق المنافع إلى جميع أبناء شعوبهم. وهذا يعني أيضا بناء مؤسسات قوية، والمساعدة في بناء الثقة بين تلك المؤسسات والأشخاص الذين تحكمهم.

ذلك أنه من تلك المؤسسات – والتي هي اللبنات الأساسية للدول - تتدفق في نهاية المطاف جميع الفوائد التي وصفتها اليوم. فبدون الاستقرار واليقين اللذين توفرهما النظم القانونية الموثوقة، والعقود القابلة للتنفيذ، والمعايير المعترف بها وما إلى ذلك، يستحيل على شركات القطاع الخاص المسؤولة أن تدخل في استثمارات طويلة الأجل. ومن المستحيل للاقتصادات خلق أعداد كافية من الوظائف التي تحتاج إلى المهارة. ولا يمكن أن يكون النمو عادلاً وشاملاً إذا لم تكن الأسواق، سواء كانت محلية أو دولية، محكومة بقواعد شفافة وفعالة ويتم إنفاذها بفعالية.

وهذا أمر مهم بشكل خاص في مكافحة الفساد وأموال الفساد، وكلاهما لديه القدرة على إخراج التنمية عن مسارها بتقويض سيادة القانون وتحويل الأموال إلى مسارب خارج الاقتصاد. لهذا السبب، سوف توقع المملكة المتحدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع اتفاقية جديدة لإعادة مبالغ ضخمة من الأموال التي تم نقلها بشكل غير قانوني من كينيا - الأمر الذي يفتح المجال أمام إعادة هذه الأموال إلى أصحابها الشرعيين واستثمارها في مستقبل بلدهم.

كما يجب علينا دعم الحكومات بينما نعمل لضمان عدم توقف التنمية بسبب تهديدات أخرى. ذلك يشمل تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة التحديات الديموغرافية من خلال تمكين النساء والفتيات من الحصول على خدمات تنظيم الأسرة الحديثة الطوعية والآمنة، وتمكينهن من الحصول على التعليم واكتساب المهارات.

بتأسيس هذه الشراكة الجديدة مع أفريقيا، أقدِّم عرضاً أوسع نطاقاً لكيفية استخدامنا لمساعدتنا التنموية في جميع أنحاء العالم، بقيادة وزيرتي للتنمية الدولية، بيني موردنت.

وفي الوقت الذي نغير فيه تركيز برنامجنا الإنمائي، أريد أن أكون واضحة: المعونات الخارجية تؤتي ثمارها. فمنذ عام 2015، دفعت المساعدات البريطانية في دول حول العالم تكاليف تلقيح أكثر من 37 مليون طفل، وبالتالي إنقاذ حياة أكثر من 600,000 شخص. وساعدنا حوالي 11.5 مليون من الشباب في الحصول على التعليم، ووفرنا لأكثر من 40 مليون شخص المياه النظيفة أو الصرف الصحي المناسب. وبينما أقف هنا اليوم، تجري معالجة الناس في جمهورية الكونغو الديمقراطية بلقاح إيبولا الذي تم تطويره بدعم من المملكة المتحدة.

إن دور المملكة المتحدة في التنمية الدولية شيء أشعر بالفخر الشديد به، وفي اعتقادي أن يجدر ببريطانيا ككل أن تفتخر به. سنظل مناصرين عالميين لتقديم المعونة والإغاثة الإنسانية والتنمية الدولية. وسنواصل التزامنا بإنفاق 0.7 بالمئة من إجمالي الدخل القومي على المساعدات التنموية الرسمية. ولن نتقاعس في عملنا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

لكني أيضاً لن أخفي حرصي على ضمان أن يصبّ برنامج مساعداتنا في صالح المملكة المتحدة. لذا فإنني أتعهد اليوم بأن إنفاقنا التنموي لن يكافح الفقر المدقع وحسب، بل سيتصدى في الوقت ذاته للتحديات العالمية ويدعم مصلحتنا الوطنية. من شأن هذا أن يضمن أن استثمارنا في المساعدات يعود بالنفع علينا جميعاً، وأن يتوافق بصورة تامة مع أولوياتنا الأمنية القومية الأوسع نطاقا.

من الناحية العملية، سيعني ذلك مساعدة أسواق جديدة سريعة النمو، مثل ساحل العاج والسنغال، على مواصلة تقدم التنمية فيها، وخلق الفرص للمستثمرين - بما في ذلك الشركات البريطانية.

كما سيعني دعم البلدان والمجتمعات على الخطوط الأمامية من عدم الاستقرار بجميع أشكاله. لذلك سوف نستثمر أكثر في دول مثل مالي وتشاد والنيجر، وهي دول تخوض معارك ضد الإرهاب في منطقة الساحل – وسيشمل الدعم فتح سفارات جديدة في النيجر وتشاد، ووجوداً أكبر في مالي.

وسنبذل المزيد من الجهود مع دول مثل الأردن الذي يواجه خطر انتشار داعش، وعبء الصراع المأساوي على حدوده مع سورية؛ ولتعزيز الديمقراطيات التي تواجه تهديدات من دول أخرى، كما فعلنا مؤخرا من خلال قمة غرب البلقان.

وسوف نستخدم برنامج مساعداتنا لدعم حملة جديدة كبرى ضد التمويل غير القانوني والجريمة المنظمة، ووضع الخبرات في المراكز المالية حول العالم، وزيادة عملنا مع أجهزة تطبيق القانون لإعادة المزيد من مليارات الدولارات التي سُرقت من دول في أفريقيا وأماكن أخرى.

وسوف نستثمر أيضا المزيد من الموارد في مكافحة الهجرة غير الشرعية والعبودية الحديثة والاتجار بالبشر.

إن من شأن هذه الأولويات الجديدة أن تمثل تحولا استراتيجيا أساسيا في طريقة استخدامنا لبرنامج المعونات لدينا، حيث نضع التنمية في صميم جدول أعمالنا الدولي - ليس فقط حماية ودعماً لأكثر الناس ضعفا، بل أيضا لدعم الدول المعرضة للخطر، وتشكيل اقتصاد عالمي يستفيد منه الجميع، وبناء التعاون في جميع أنحاء العالم لدعم النظام القائم على القواعد.

سنستخدم خطط إنفاقنا المستقبلية لوضع هذه المقترحات بمزيد من التفصيل.

الشراكات الحقيقية لا تنحصر في خدمة يقدمها طرف إلى طرف آخر، بل تتمثل في عمل الدول والحكومات والشركات والأفراد معاً بطريقة مسؤولة لتحقيق أهداف مشتركة.

تحقيق مثل هذا النجاح طويل الأجل لن يكون سريعاً أو سهلاً. لكنني ملتزمة بأفريقيا، وملتزمة باستخدام كل وسيلة لدى الحكومة البريطانية لدعم الشراكات والأفكار التي ستعود بالفائدة على الأجيال القادمة.

عندما خاطب الرئيس مانديلا الجماهير التي احتشدت في مدينة كيب تاون عام 1994، لم يتحدث فقط عن التحدي الهائل الذي يواجه جنوب أفريقيا، بل أيضا عن يقينه بأن شعب هذا البلد سوف يواجه ذاك التحدي.

وبينما يواجه العالم مرة أخرى حالات صعبة من عدم اليقين، فإنني على ثقة من أن جميع شعوبنا يمكن أن ترقى إلى هذه اللحظة. وبأننا معاً سنقلب ميزان التغيير من التحدي إلى الفرص. وأننا - كأصدقاء وشركاء وأنداد - سنحقق مستقبلاً أكثر رخاءً لجميع شعوبنا.

Updates to this page

تاريخ النشر 28 أغسطس 2018
تاريخ آخر تحديث 3 سبتمبر 2018 + show all updates
  1. Added translation

  2. Added translation

  3. First published.