"الاضطرابات التي نشهدها في المنطقة إنما تؤكد أهمية تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"
كلمة السفير مارك ليال غرانت، رئيس بعثة المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال النقاش المفتوح في مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك عملية السلام.
الشهر الماضي كان بداية السنة الخامسة للصراع السوري. وقد عمد الأسد طوال السنوات الأربع الماضية إلى قمع وتدمير حياة وقتل شعبه. لقد دمر البلد الذي عليه أن يحميه، وباتت سورية الآن مجرد هيكل لما كانت عليه من قبل. وما برح الوضع يزداد سوءا. كما يقلقنا مصير اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، حيث مازال القتال الكثيف مستمرا بين الجماعات المسلحة، بما فيها داعش وجبهة النصرة. ويعيش آلاف المدنيين، من بينهم الكثير من الأطفال، تحت حصار يفرضه نظام الأسد منذ عامين تقريبا وبالكاد تصلهم مساعدات إنسانية. إن معاناة سكان اليرموك تعكس واقعا مأساويا لنحو 440,000 سوري تحت الحصار حاليا من الأسد وداعش، ولا تصلهم مساعدات إنسانية. وهذا يشمل 230,000 شخص تقريبا يحاصرهم داعش في دير الزور. إنهم يواجهون نقصا حادا بالمواد الغذائية والسلع الأساسية. وانقطعت عنهم الكهرباء والماء، وقلقهم بشأن الصحة العامة متنامي. إننا ندعو كافة الجماعات لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والسماح بمرور وإجلاء المدنيين بأمان.
إن الحاجة للتوصل لتسوية سليمة في سورية لم تكن يوما عاجلة أكثر مما هي عليه اليوم. وخسارة النظام مؤخرا لمدينة إدلب تبين بأن لا يمكن لأي من الطرفين الفوز في ميدان المعركة. فليس هناك حل عسكري. بل يظل السبيل الوحيد لإحلال سلام مستدام هو عملية انتقال سياسية بالاتفاق المشترك بين الأطراف السوريين، وبدعم من المجتمع الدولي. والمملكة المتحدة مستمرة بدعمها للممثل الخاص للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، في جهوده الرامية لتحقيق ذلك، ونتطلع إلى الاستماع لتقريره لاحقا هذا الأسبوع. إننا مازلنا واضحين في قولنا بأن الأسد لا يمكن أن يكون له دور في مستقبل سورية. كما يجب ألا يضعف التزامنا الإنساني تجاه سورية. ونتوجه بالشكر إلى الكويت لما أبدته من قيادة باستضافتها لمؤتمر المانحين الثالث للمساعدات الإنسانية. والتعهدات التي بلغت 3.6 مليار دولار سوف تساعد كثيرا بتلبية الاحتياجات المالية التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2015. وقد رصدت المملكة المتحدة نفسها حتى الآن ما يربو على 1.2 مليار دولار استجابة للأزمة السورية. لكن مازال يتعين عمل المزيد. ونحث جميع الدول على تسديد المبالغ التي تعهدت بها فورا. كما نحث وكالات الأمم المتحدة الإنسانية وشركائها على تعزيز إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، بما في ذلك عبر الحدود.
اسمحوا لي أن ألتفت الآن إلى عملية السلام في الشرق الأوسط. نعلم جميعنا بأن السبيل الوحيد لتسوية هذا الصراع القديم الممتد منذ ستين عاما هو التوصل لحل الدولتين عبر المفاوضات. وعلينا تجديد الجهود الدولية لدعم إحراز تقدم تجاه البدء بمفاوضات جادة للتوصل لاتفاق. وعلى الطرفين نفسهما أيضا استئناف المفاوضات للتوصل لوقف إطلاق نار مستدام في غزة ومعالجة مسببات الصراع. وعلى الفلسطينيين اتخاذ خطوات ملموسة لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، بدءا بالمعابر. كما أن على إسرائيل مساندة غزة بالصادرات والطاقة والماء. وعلى مصر أيضا استئناف دورها كوسيط وإبداء مرونة بفتح معبر رفح. ويجب على المانحين تنفيذ ما تعهدوا به بأسرع وقت ممكن.
إن الاضطرابات التي نشهدها في المنطقة إنما تؤكد أهمية تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وعلى الطرفين التفكير جديا في سبل العمل مع بعضهما لتحسين الواقع على الأرض. من الواضح وجود ضرورة لتقديم تنازلات من كلا الطرفين. حيث على إسرائيل وقف خطواتها ببناء المستوطنات غير القانونية، وهي خطوات غير ضرورية نهائيا يبدو وأن الهدف منها هو تقويض حل الدولتين. بل عليها عوضا عن ذلك تسهيل الأحوال الاقتصادية على الأرض وإزالة العوائق أمام التنمية الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، بينما يسعى الفلسطينيون إلى الطرق الدولية القانونية المؤدية إلى قيام الدولة، عليهم إدراك أن ليس هناك بديل للمفاوضات مع إسرائيل. وترى المملكة المتحدة ميزة تبني هذا المجلس لقرار واضح يحدد معايير التوصل لحل سلمي عبر التفاوض. لكن ذلك يتطلب إجراء مشاورات مناسبة لحشد الدعم التام من المجلس.
وحيث أن هذه آخر جلسة نقاش مفتوح أحضرها حول الشرق الأوسط، يسرني توجيه الشكر لأعضاء المجلس الماضين والحاليين لما بذلوه من جهود في هذه المسائل طوال السنوات الخمس الماضية. لكن من المؤسف جدا عدم تحقيق تقدم أكبر بشأن سورية وعملية السلام في الشرق الأوسط خلال هذه الفترة. إن هناك حاجة لوحدة أكبر حول الأهداف وإرادة أكبر من الأعضاء لوضع مصالحهم الضيقة جانبا في سعينا لإحراز تقدم في هذه المسائل المزمنة مستقبلا.